وَالْمَاءُ الْمُنَزَّلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَهُ فِيهَا مُخْزُونَا لِسُقْيَا النَّاسِ، يَجِدُونَهُ [عُدَّةً] عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ، وَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْآبَارِ.
وَالْقِسْمُ الْآخَرُ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 18] الْآيَةَ، أَهُوَ فِي الْخَرِيفِ فِيمَا بَلَغَك، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ؛ بَلْ هَذَا فِي الْخَرِيفِ وَالشِّتَاءِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْزِلُ مَاؤُهُ مِنْ السَّمَاءِ إذَا شَاءَ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرٌ.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ مُحْتَمَلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً، فَأَسْكَنَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يُنَزِّلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَيَكُونُ مِنْهُ غِذَاءٌ، وَمِنْهُ اخْتِزَانٌ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} [السجدة: 27]، وَقَوْلَهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق: 11] يَعْنِي الْمَطَرَ، {وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 12] يَعْنِي النَّبَاتَ. وَهَذَا يَكُونُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «إنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّي الْأَرْضَ مِنْ مَطَرٍ فِي عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ، وَإِنَّهُ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءٌ إلَّا بِحِفْظِ مَلَكٍ مُوَكَّلٍ بِهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَاءِ الطُّوفَانِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ الْمَلَكُ»، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11]