الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي مَحَلِّ النَّفْي:
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] قَالَ: هَذَا فِي تَقْدِيمِ الْأَهِلَّةِ وَتَأْخِيرهَا بِالْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، وَفِي الصَّوْمِ.
وَثَبَتَ صَحِيحًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَقُولُ: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، إنَّمَا ذَلِكَ سَعَةُ الْإِسْلَامِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أُحِلَّ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
قَالَ الْقَاضِي: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ. وَقَدْ كَانَتْ الشَّدَائِدُ وَالْعَزَائِمُ فِي الْأُمَمِ، فَأَعْطَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَاللِّينِ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا قَبْلَهَا فِي حُرْمَةِ نَبِيِّهَا، وَرَحْمَةِ نَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا».
فَأَعْظَمُ حَرَجٍ رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا نُبْدِي فِي أَنْفُسِنَا وَنُخْفِيهِ، وَمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ إصْرٍ وُضِعَ، كَمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا.
وَمِنْهَا التَّوْبَةُ بِالنَّدَمِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ، وَالِاسْتِغْفَارُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ. وَقِيلَ لِمَنْ قَبْلَنَا: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، وَلَوْ ذَهَبْت إلَى تَعْدِيدِ نِعَمِ اللَّهِ فِي رَفْعِ الْحَرَجِ لَطَالَ الْمَرَامُ.
وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُنَا تَعَالَى إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ أَيْضًا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ. فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: ارْمِ