هُنَالِكَ، وَسُؤَالُهَا جَائِزٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ نَزَلُوا بِقَوْمٍ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ، فَسَأَلُوهُمْ: هَلْ مِنْ رَاقٍ، فَجَعَلُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ. . الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ.
وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَوَّزَ الْكُلَّ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى حِينَ سَقَى لِبِنْتَيْ شُعَيْبٍ أَجْوَعَ مِنْهُ حِينَ أَتَى الْقَرْيَةَ مَعَ الْخَضِرِ، وَلَمْ يَسْأَلْ قُوتًا؛ بَلْ سَقَى ابْتِدَاءً، وَفِي الْقَرْيَةِ سَأَلَا الْقُوتَ، وَفِي ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ انْفِصَالَاتٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا أَنَّ مُوسَى كَانَ فِي حَدِيثِ مَدْيَنَ مُنْفَرِدًا، وَفِي قِصَّةِ الْقَرْيَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: كَانَ هَذَا سَفَرَ تَأْدِيبٍ فَوُكِلَ إلَى تَكْلِيفِ الْمَشَقَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَفَرَ هِجْرَةٍ فَوُكِلَ إلَى الْعَوْنِ وَالْقُوَّةِ.
ِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]. فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى قَرَءُوهَا لِمَسَّاكِينَ بِتَشْدِيدِ السِّينِ مِنْ الِاسْتِمْسَاكِ، وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَسَبَهُمْ إلَى الْمَسْكَنَةِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ، بَلْ عَدَمِهَا فِي الْبَحْرِ، وَافْتِقَارِ الْعَبْدِ إلَى الْمَوْلَى كَسْبًا وَخَلْقًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ لِلَّهِ فَلْيَرْكَبْ الْبَحْرَ.
ِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82].