الْآيَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79]: يَعْنِي اسْهَرْ بِهِ. وَالْهُجُودُ: النَّوْمُ، وَالتَّهَجُّدُ تَفَعُّلٌ، وَهُوَ لِاكْتِسَابِ الْفِعْلِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ يَأْتِي لِنَفْيِهِ فِي حُرُوفٍ مَعْدُودَةٍ، جِمَاعُهَا سَبْعَةٌ: تَهَجَّدَ: نَفَى الْهُجُودَ، تَخَوَّفَ: نَفَى الْخَوْفَ، تَحَنَّثَ: نَفَى الْحِنْثَ، تَنَجَّسَ: أَلْقَى النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ. تَحَرَّجَ، نَفَى الْحَرَجَ، تَأَثَّمَ: نَفَى الْإِثْمَ، تَعَذَّرَ: نَفَى الْعُذْرَ. تَقَذَّرَ: نَفَى الْقَذَرَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: تَجَزَّعَ: نَفَى الْجَزَعَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]: وَالنَّفَلُ هُوَ الزِّيَادَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ؛ وَفِي وَجْهِ الزِّيَادَةِ هَاهُنَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى فَرْضِهِ خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]؛ أَيْ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ شَيْئًا؛ إذْ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فَاسِدٌ؛ إذْ نَفْلُهُ وَفَرْضُهُ لَا يُصَادِفُ ذَنْبًا، ولَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَلَا صَلَاةُ النَّهَارِ تُكَفِّرَانِ خَطِيئَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي حَدِّهِ وُجُودًا، مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِ مُؤَاخَذَةً لَوْ كَانَ لِفَضْلِ الْمَغْفِرَةِ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَمِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامُ اللَّيْلِ، «وَكَانَ يَقُومُ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ»؛ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ " الْأَحْزَابِ " وَفِي سُورَةِ " الْمُزَّمِّلِ ".
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي صِفَةِ هَذَا التَّهَجُّدِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ النَّوْمُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ، ثُمَّ النَّوْمُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ.