فِيهَا اللِّبَاسَ وَالْأَكْلَ وَاللَّبَنَ وَالْحَمْلَ وَالْغَزْوَ، وَإِنْ نَقَصَهَا الْكَرُّ وَالْفَرُّ.

وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ فِي الْغَنَمِ لِمَا فِيهَا مِنْ اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ، فَإِنَّهَا تَلِدُ فِي الْعَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إلَى مَا يَتْبَعُهَا مِنْ السَّكِينَةِ، وَتَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَيْهِ مِنْ خَفْضِ الْجَنَاحِ، وَلِينِ الْجَانِبِ، بِخِلَافِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْإِبِلِ.

وَقَرَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْرَ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ بَقِيَّةَ الدَّهْرِ، لِمَا فِيهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ الْمُسْتَفَادَةِ لِلْكَسْبِ وَالْمَعَاشِ، وَمَا تُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ قَهْرِ الْأَعْدَاءِ، وَغَلَبَةِ الْكُفَّارِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ.

وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]؛ ذَلِكَ فِي الْمَوَاشِي تَرُوحُ إلَى الْمَرْعَى وَتَسْرَحُ عَلَيْهِ.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ]

الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7].

فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَنْعَامِ عُمُومًا، وَخَصَّ الْإِبِلَ هَهُنَا بِالذِّكْرِ فِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ، تَنْبِيهًا عَلَى مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْعَامِ؛ فَإِنَّ الْغَنَمَ لِلسَّرْحِ وَالذَّبْحِ، وَالْبَقَرَ لِلْحَرْثِ، وَالْإِبِلَ لِلْحَمْلِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمٍ عَدَا عَلَيْهَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ الذِّئْبُ، وَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَإِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: آمَنْت بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015