{كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ {مَثَانِيَ} [الزمر: 23]؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ كُرِّرَتْ فِيهِ وَالْقَصَصَ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا سُمِّيَتْ مَثَانِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَاهَا لِمُحَمَّدٍ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأُمَّتِهِ دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ.
الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ:
قَوْله تَعَالَى {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 98] فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: التَّسْبِيحُ: هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، بِالْقَلْبِ اعْتِقَادًا، وَبِاللِّسَانِ قَوْلًا.
وَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا الصَّلَاةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعْلَمُ ضِيقَ صَدْرِك بِمَا تَسْمَعُهُ مِنْ تَكْذِيبِك وَرَدِّ قَوْلِك، وَيَنَالُهُ أَصْحَابُك مِنْ إذَايَةِ أَعْدَائِك؛ فَافْزَعْ إلَى الصَّلَاةِ، فَهِيَ غَايَةُ التَّسْبِيحِ وَنِهَايَةُ التَّقْدِيسِ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلَى الصَّلَاةِ»، وَذَلِكَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 98]، أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنَّ دِعَامَةَ الْقُرْبَةِ فِي الصَّلَاةِ حَالَ السُّجُودِ.
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَهُنَا الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ نَفْسِهِ، فَيَرَى هَذَا الْمَوْضِعَ مَحَلَّ سُجُودٍ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَدْ شَاهَدْت الْإِمَامَ بِمِحْرَابِ زَكَرِيَّا مِنْ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ طُهْره اللَّهُ يَسْجُدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لَهُ فِي تَرَاوِيحَ رَمَضَانَ، وَسَجَدْت مَعَهُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَهُ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ.