وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ، أَوْ يَرْحَمُ». وَهُوَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، سُبْحَانَهُ، حِينَ عَلِمَ عَجْزَ الْخَلْقِ عَنْ الصَّبْرِ؛ فَأَذِنَ لَهُمْ فِي الدَّمْعِ وَالْحُزْنِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِهِ، وَخَطَمَ الْفَمَ بِالزِّمَامِ عَنْ سُوءِ الْكَلَامِ، فَنَهَى عَمَّا نَهَى، وَأَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَا لِنَافِذِ الْقَضَاءِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى. وَأَحْسَنُ الْكَلَامِ فِي الشَّكْوَى سُؤَالُ الْمَوْلَى زَوَالَ الْبَلْوَى، وَذَلِكَ قَوْلُ يَعْقُوبَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86] مِنْ جَمِيلِ صُنْعِهِ وَغَرِيبِ لُطْفِهِ وَعَائِدَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ.
ُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88].
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقَوْلُ فِي الْبِضَاعَةِ: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَعْنَى الْبِضَاعَةِ فِي الْبِضْعِ آنِفًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88]: فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَعْنِي قَلِيلَةً، إمَّا لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَادِيَةِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِلْمُلُوكِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا سَعَةَ فِيهِ، إنَّمَا يُدَافَعُ بِهِ الْمَعِيشَةُ، مِنْ قَوْلِك: فُلَانٌ يُزْجِي كَذَا، أَيْ: يَدْفَعُ قَالَ الشَّاعِرُ:
الْوَاهِبُ الْمِائَةَ الْهِجَانَ وَعَبْدَهَا ... عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَهَا أَطْفَالَهَا
يَعْنِي تَدْفَعُ.