الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إذَا أَجْلَسَ رَجُلٌ شَاهِدِينَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّرَهُ فَاسْتَوْعَبَا كَلَامَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا بِأَمْرِ كَذَا يَذْكُرُهُ؛ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا يَشْهَدُ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآيَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ قَوْله تَعَالَى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حَدَّثَ مَالِكٌ عَنْ حُزْنِ يَعْقُوبَ أَنَّهُ حُزْنُ سَبْعِينَ ثَكْلَى. قِيلَ: فَمَا أُعْطِيَ؟ قَالَ: أَجْرَ سَبْعِينَ شَهِيدًا. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يُوسُفُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: مَا انْتَقَمْت لِنَفْسِي مِنْ شَيْءٍ أَتَى إلَيَّ، فَذَلِكَ زَادِي الْيَوْمَ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِنَّ عَمَلِي لَاحِقٌ بِعَمَلِ آبَائِي، فَأَلْحِقُوا قَبْرِي بِقُبُورِهِمْ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُرِيدُ مَالِكٌ بِالْكَلَامِ الثَّانِي قَوْلَ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] أَيْ: لَا تَبْكِيتَ وَلَا مُؤَاخَذَةَ لَكُمْ بِمَا فَعَلْتُمْ؛ لِأَنَّ شِفَاءَ الْغَيْظِ وَالْجَزَاءَ بِالذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا لَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ يُوسُفَ: مَا انْتَقَمْت لِنَفْسِي مِنْ شَيْءٍ أَتَى إلَيَّ، فَذَلِكَ زَادِي الْيَوْمَ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِنْ عَمَلِي لَاحِقٌ بِعَمَلِ آبَائِي أَيْ فِي الصَّفْحِ وَالْإِحْسَانِ، وَهُوَ فِعْلُ أَهْلِ النُّبُوَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: " أَلْحِقُوا قَبْرِي بِقُبُورِ آبَائِي " شَاهَدْنَاهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَجَاوَزْنَا فِيهِ [أَعْوَامًا