الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61].
قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ: الِاسْتِعْمَارُ طَلَبُ الْعِمَارَةِ، وَالطَّلَبُ الْمُطْلَقُ مِنْ اللَّهِ عَلَى الْوُجُوبِ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: تَأْتِي كَلِمَةُ اسْتَفْعَلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى طَلَبَ الْفِعْلَ، كَقَوْلِهِ: اسْتَحْمَلْت فُلَانًا أَيْ طَلَبْت مِنْهُ حُمْلَانًا.
وَمِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ، كَقَوْلِهِمْ: اسْتَسْهَلْت هَذَا الْأَمْرَ، أَيْ اعْتَقَدْته سَهْلًا، أَوْ وَجَدْته سَهْلًا، وَاسْتَعْظَمْته أَيْ اعْتَقَدْته عَظِيمًا.
وَمِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى أَصَبْت الْفِعْلَ، كَقَوْلِك: اسْتَجْدَتْهُ، أَيْ أَصَبْته جَيِّدًا، وَقَدْ يَكُونُ طَلَبْته جَيِّدًا.
وَمِنْهَا بِمَعْنَى فَعَلَ، كَقَوْلِهِ، قَرَّ فِي الْمَكَانِ وَاسْتَقَرَّ. وَقَالُوا: إنَّ قَوْلَهُ يَسْتَهْزِئُونَ، وَيَسْتَحْسِرُونَ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: " اسْتَعْمَرَكُمْ ": خَلَقَكُمْ لِعِمَارَتِهَا عَلَى مَعْنَى اسْتَجْدَتْهُ وَاسْتَسْهَلْته، أَيْ أَصَبْته جَيِّدًا وَسَهْلًا، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ فِي الْخَالِقِ، فَتَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ؛ لِأَنَّهُ الْفَائِدَةُ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الشَّيْءِ بِفَائِدَتِهِ مَجَازًا، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ طَلَبَ مِنْ اللَّهِ ضِمَارَتَهَا؛ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ، أَمَّا إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتَدْعَى عِمَارَتَهَا فَإِنَّهُ جَاءَ بِلَفْظِ اسْتَفْعَلَ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ إذَا كَانَ أَمْرٌ، أَوْ طَلَبَ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى رَغْبَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69].
فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ: