الْآيَةُ السَّادِسَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقَوْلُ فِي الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِهَا:
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ شَرْعًا لِمُوسَى فِي صَلَاتِهِ وَلِقَوْمِهِ، وَلَمْ تَخْلُ الصَّلَاةُ قَطُّ عَنْ شَرْطِ الطَّهَارَتَيْنِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّكْلِيفِ، وَأَوْقَرُ لِلْعِبَادَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قِيلَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87]:
يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ أُمِرُوا أَنْ يَسْتَقْبِلُوهَا حَيْثُمَا كَانُوا، وَقَدْ كَانَتْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قِبْلَةً، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ دُونَ بِيَعِكُمْ إذَا كُنْتُمْ خَائِفِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ دِينِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ مَا دَامُوا عَلَى أَمْنٍ، فَإِذَا خَافُوا فَقَدْ أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَعْوَى.
[وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ].