الثَّانِي: أَنَّهَا الْبَقَاءُ قَالَ الْمُعَمَّرُ:
أَبَنِيَّ إنْ أَهْلَكَ فَإِنِّي ... قَدْ تَرَكْتُ لَكُمْ بَنِيَّهْ
وَتَرَكْتُكُمْ أَوْلَادَ سَادَاتٍ ... زِنَادُكُمْ وَرِيَّهُ
وَلَكُلُّ مَا نَالَ الْفَتَى ... قَدْ نِلْتُهُ إلَّا التَّحِيَّهْ
يَعْنِي الْبَقَاءَ.
الثَّالِثُ: [أَنَّهَا] السَّلَامُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
فِي تَفْسِيرِهَا قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِيهِمْ بِمَا يَشْتَهُونَ فَيَقُولُ لَهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَيْ سَلِمْتُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَكَلُوهُ قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى تَحِيَّتِهِمْ تَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ كَمَا بَيَّنَّا: «أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَهُمْ فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَبَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ هَاهُنَا أَنَّهَا تَحِيَّتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ، فَهِيَ تَحِيَّةٌ مَوْضُوعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الْخِلْقَةِ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: 10]؛ أَيْ هَذَا السَّلَامُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ تَتَقَابَلُونَ بِهِ.
وَالْقَوْلَانِ مُحْتَمَلَانِ، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ:
قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32].