الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ أَيْضًا أَجَلًا لِمَنْ كَانَتْ مُدَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَيَكُونَ إسْقَاطُ الزِّيَادَةِ تَخْصِيصًا لِلْمُدَّةِ، كَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ النِّسَاءَ مِنْ أَعْدَادِ مَنْ صُولِحَ عَلَيْهِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْإِمَامِ، وَالتَّمَادِي عَلَى الْعَهْدِ، أَوْ الرُّجُوعِ عَنْهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ.
ٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: 2].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]: أَيْ سِيرُوا، وَهِيَ السِّيَاحَةُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ انْتَهَى إلَى قَرْيَةٍ خَرِبَتْ حُصُونُهَا، وَجَفَّتْ أَنْهَارُهَا، وَتَشَعَّبَ شَجَرُهَا، فَنَادَى: يَا خَرِبُ، أَيْنَ أَهْلُكِ؟ فَنُودِيَ: يَا عِيسَى، بَادُوا فَضَمَّتْهُمْ الْأَرْضُ، وَعَادَتْ أَعْمَالُهُمْ قَلَائِدَ فِي رِقَابِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَجَدّ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُرِيدُ مَالِكٌ بِسِيَاحَتِهِ أَنَّهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.
الْمَعْنَى: لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مَسِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَاخْتَبِرُوا فِيهَا، وَحَرِّرُوا أَعْمَالَكُمْ، وَانْظُرُوا مَآلَكُمْ، فَإِنْ دَخَلْتُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَكُمْ الْأَمَانُ وَالِاحْتِرَامُ، وَإِنْ اسْتَمْرَرْتُمْ عَلَى الْكُفْرِ عُومِلْتُمْ بِمُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ مِنْ الْقَتْلِ وَالْإِسَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إلَى مُدَّتِهِ؛ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ الْمَحْدُودَ لِمُدَّةٍ مَوْقُوفٌ عَلَى أَمَدِهِ، وَأَنَّ الْعَهْدَ الْمُطْلَقَ، أَوْ الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّ مُدَّتَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، إلَّا مَنْ لَمْ يَنْقُضْ، فَإِنَّ عَهْدَهُ إلَى مُدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ هَذَا.