الْإِمَامُ أَحَدًا فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ مَنْ غَنِمَ بِسَهْمِهِ؛ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ.
وَقِيلَ عَنْهُ أَيْضًا: لَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْضَخُ لَهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ الْغَنِيمَةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا لَبَابُ مَا فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ، فَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَنْظُرْهُ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] ظَاهِرٌ فِي اللِّقَاءِ، ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ، مُجْمَلٌ فِي الْفِئَتَيْنِ الَّتِي تُلْقَى مِنَّا وَاَلَّتِي تَكُونُ مِنْ مُخَالِفِينَا، بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ الَّتِي بَعْدَهَا فِي تَعْدِيدِ الْمُقَاتِلِينَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ هَاهُنَا بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِهِمْ، كَمَا نَهَى فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا عَنْ الْفِرَارِ عَنْهُمْ؛ فَالْتَقَى الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَلَى شَفَا مِنْ الْحُكْمِ بِالْوُقُوفِ لِلْعَدُوِّ وَالتَّجَلُّدِ لَهُ.
وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْبَرَاءِ: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ قَالَ: لَا، وَاَللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانٌ مِنْ النَّاسِ، فَلَقِيَتْهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ عَلَى بَغْلَتِهِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ. أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ».