وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ جَوَابُ الطَّبَرِيِّ، فَلَا يُشْبِهُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَجَازَهُ: لَا تُصِيبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَمْ يُرِدْ كَذَلِكَ.
الثَّالِثُ: قَالَ لَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّحْوِيُّ: هَذَا نَهْيٌ فِيهِ مَعْنَى جَوَابِ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ: لَا تَزُلْ مِنْ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحَنَّكَ، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: 18].
وَهَذَا مُنْتَهَى الِاخْتِصَارِ وَقَدْ طَوَّلْنَاهُ فِي مَكَانِهِ.
وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ} [الأنفال: 29] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي التَّقْوَى وَحَقِيقَتِهَا وَأَنَّهَا فَعْلَى، مِنْ وَقَى يَقِي وِقَايَةً وَوَاقِيَةً، أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً لُغَةً؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ وِقَايَةً وَحِجَابًا، وَلَهَا فِيهِ مَحَالُّ: الْمَحَلُّ الْأَوَّلُ: الْعَيْنُ: فَإِنَّهَا رَائِدُ الْقَلْبِ وَرَبِيئَتُهُ، فَمَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَرْسَلَتْهُ إلَيْهِ، فَهُوَ يَفْصِلُ مِنْهُ الْجَائِزَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَإِذَا جَلَّلْتهَا بِحِجَابِ التَّقْوَى لَمْ تُرْسِلْ إلَى الْقَلْبِ إلَّا مَا يَجُوزُ، فَيَسْتَرِيحُ مِنْ شَغَبِ ذَلِكَ الْإِلْقَاءِ؛ وَرُبَّمَا أَصَابَتْ هَذَا الْمَعْنَى الشُّعَرَاءُ كَقَوْلِهِمْ:
وَأَنْتَ إذَا أَرْسَلْتَ طَرَفَكَ رَائِدًا ... لِقَلْبِك يَوْمًا أَسْلَمَتْك الْمَنَاظِرُ
رَأَيْت الَّذِي لَا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ... وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَخَذَ طَرَفًا مِنْ الْمَعْنَى، فَإِنَّ شَيْخَنَا عَطَاءً الْمَقْدِسِيَّ شَيْخَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ اسْتَوْفَى الْمَعْنَى فِي بَيْتَيْنِ أَنْشَدَنَاهُمَا: