وَاَلَّذِي نُرَجِّحُهُ وُجُوبَ الْقِرَاءَةِ فِي الْإِسْرَارِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ.
وَأَمَّا الْجَهْرُ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ حُكْمُ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]. وَقَدْ عَضَّدَتْهُ السُّنَّةُ بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «قَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا».
الثَّانِي: قَوْلُهُ: " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ".
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي التَّرْجِيحِ: إنَّ الْقِرَاءَةَ مَعَ جَهْرِ الْإِمَامِ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا فَمَتَى يَقْرَأُ؟ فَإِنْ قِيلَ: يَقْرَأُ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ.
قُلْنَا: السُّكُوتُ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ فَكَيْفَ يُرَكَّبُ فَرْضٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَجَدْنَا وَجْهًا لِلْقِرَاءَةِ مَعَ الْجَهْرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْقَلْبِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، وَهَذَا نِظَامُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَحِفْظُ الْعِبَادَةِ، وَمُرَاعَاةُ السُّنَّةِ، وَعَمَلٌ بِالتَّرْجِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]. وَهِيَ:
الْآيَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ فَقَوْلُهُ: {فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] يَعْنِي صَلَاةَ الْجَهْرِ. وَقَوْلُهُ: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] يَعْنِي صَلَاةَ السِّرِّ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِيهِ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه قَلِيلًا بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّمَا خَرَجَتْ الْآيَةُ عَلَى سَبَبٍ؛ وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يُكْثِرُونَ اللَّغَطَ فِي قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَمْنَعُونَ مِنْ اسْتِمَاعِ الْأَحْدَاثِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، فَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِنْصَاتِ حَالَةَ أَدَاءِ الْوَحْيِ، لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ حَالِ الْكُفَّارِ.
قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ: