قَدَّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ إلَّا الْأَخْيَارُ، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَرِّفُكُمْ قَدْرَ مَالِكٍ عَلَى سَائِرِ الْعُلَمَاءِ فِي النَّظَرِ، وَيُبَصِّرُكُمْ اسْتِدَادَهُ عَلَى سَوَاءِ الْفِكَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ؛ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَامِلِ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَامِلِ إذَا بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَرْكَبْ الْبَحْرَ، وَلَا رَأَى أَنَّهُمْ دُودٌ عَلَى عُودٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُوقِنَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ وَحْدَهُ لَا فَاعِلَ مَعَهُ، وَأَنَّ الْأَسْبَابَ ضَعِيفَةٌ لَا تَعَلُّقَ لِمُوقِنٍ بِهَا، وَيَتَحَقَّقُ التَّوَكُّلُ وَالتَّفْوِيضُ فَلْيَرْكَبْ الْبَحْرَ، وَلَوْ عَايَنَ ذَلِكَ سَبْعِينَ مِنْ الدَّهْرِ، وَتَطْلُعُ لَهُ الشَّمْسُ فِي الْمَاءِ وَتَغْرُبُ فِيهِ، وَيَتْبَعُهَا الْقَمَرُ كَذَلِكَ، وَلَا يَسْمَعُ لِلْأَرْضِ خَبَرًا، وَلَا تَصْفُو سَاعَةٌ مِنْ كَدَرٍ، وَيَعْطَبُ فِي آخِرِ الْحَالِ، كَانَ رَأْيُهُ كَرَأْيِ أَشْهَبَ، وَاَللَّهُ يُوَفِّقُ الْمَقَالَ وَيُسَدِّدُ بِعِزَّتِهِ الْمَذْهَبَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مَرِيضَةٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي فِطْرِهَا وَفِدْيَتِهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ.
: الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْعَفْوِ: قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاشْتِقَاقِ، وَاخْتَلَفَ إيرَادُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: