الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ الْحَمْلِ بِشْرٌ وَسُرُورٌ، وَآخِرُهُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف: 189]. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71].
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ إنَّهُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ يُعْطِيهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا وَلَا يَدْعُو الْمَرْءُ هَذَا الدُّعَاءَ إلَّا إذَا نَزَلَتْ بِهِ شِدَّةٌ.
وَهَذِهِ الْحَالُ مُشَاهَدَةٌ فِي الْحَوَامِلِ، وَلِأَجْلِ عِظَمِ الْأَمْرِ وَشِدَّةِ الْخَطْبِ جُعِلَ مَوْتُهَا شَهَادَةً، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سَوَاءٌ: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَذَكَرَ: الْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ شَهِيدٌ.»
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا ثَبَتَ هَذَا مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ فَحَالُ الْحَامِلِ حَالُ الْمَرِيضِ فِي أَفْعَالِهَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَهَبُ أَوْ يُحَابِي فِي ثُلُثِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ حَالُ الطَّلْقِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا؛ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْحَمْلَ عَادَةٌ وَأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ.
قُلْنَا: كَذَلِكَ أَكْثَرُ الْمَرَضِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ السَّلَامَةُ، وَقَدْ يَمُوتُ مَنْ لَمْ يَمْرَضْ، وَلَكِنْ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَالِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ إنْكَارَ مَرَضِ الْحَامِلِ عِنَادٌ ظَاهِرٌ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ الْمَحْبُوسَ فِي قَوَدٍ أَوْ قِصَاصٍ، وَحَاضِرَ الزَّحْفِ.