أولا: كونه بدعة محدثة لا يعرفها السلف الصالح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
رواه النسائي وأبن خزيمه في (صحيحه) بسند صحيح.
ثانيا: أن فيه إضاعة للمال وهو منهي عنه بالنص كما تقدم في المسألة (42 ص 64).
ثالثا: أن فيه تشبها بالمجوس عباد النار، قال ابن حجر الفقيه في (الزواجر) (1/ 134): (صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قل، حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر، وعللوه بالاسراف وإضاعة المال، والتشبه بالمجوس، فلا يبعد في هذا أن يكون كبيرة).
قلت: ولم يورد بالاضافة إلى ما ذكر من التعليل دليلنا الأول، مع أنه دليل وارد، بل لعله أقوى الادلة، لان الذين يوقدون السرج على القبور إنما يقصدون بذلك التقرب إلى الله تعالى - زعموا، ولا يقصدون الانارة على المقيم أو الزائر، بدليل إيقادهم إياها والشمس طالعة في رابغة النهار! فكان من أجل ذلك بدعة ضلالة.
فإن قيل: فلماذا لم تستدل بالحديث المشهور الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عن ابن عباس: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) وجوابي عليه: أن هذا الحديث مع شهرته ضعيف الاسناد، لا تقوم به حجة، وإن تساهل كثير من المصنفين فأوردوه في هذا الباب وسكتوا عن علته، كما فعل ابن حجر
في (الزواجر)، ومن قبله العلامة ابن القيم في (زاد المعاد)، واغتر به جماهير السلفيين وأهل الحديث فاحتجوا به في كتبهم ورسائلهم ومحاضراتهم.
وقد كنت انتقدت ابن القيم من أجل ذلك فيما كنت علقته على كتابه، وبينت علة الحديث مفصلا هناك، ثم في (سلسلة الاحاديث الضعيفة) (رقم 223)، ثم رأيث ابن القيم في (تهذيب السنن) (4/ 342) نقل عن عبد الحق الاشبيلي أن في سند الحديث باذام صاحب الكلبي وهو عندهم ضعيف جدا، وأقره ابن القيم، فالحمد لله على توفيقه.
وأما الجملة الأولى من الحديث فصحيحة لها شاهدان من حديث أبي هريرة وحسان ابن ثابت أوردتهما في المسألة (119 ص 185، 186).