ولذلك مكث بنو هاشم سنين لا يضحون على مقتضى هذا الحديث.
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره)) رواه الجماعة إلا البخاري (?) ، وفي رواية لمسلم: ((فلا يمس من شعره وبشره شيئا)) (?)
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فوض الأضحية إلى الإرادة، وتفويضها إلى الإرادة ينافي وجوبها، إذ الوجوب لزوم لا يفوض إلى الإرادة، هكذا قالوا.
وعندي أن التفويض إلى الإرادة لا ينافي الوجوب إذا قام عليه الدليل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت: ((هن لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة)) (?) . ولم يمنع ذلك من وجوب الحج والعمرة بدليل آخر مرة في العمر، فالتعليق على الإرادة ليس معناه أن الإنسان مخير في المراد على الإطلاق، فقد يجب أن يريد إذا قام مقتضى الوجوب، وقد لا يجب أن يريد إذا لم يكن دليل على الوجوب، كما لو قلت: يجب الوضوء على من أراد الصلاة. والصلاة منها ما تجب إرادته كالفريضة، ومنها ما لا تجب كالتطوع. وأيضا فالأضحية لا تجب على المعسر فهو غير مريد لها، فصح تقسيم الناس فيها إلى مريد وغير مريد باعتبار اليسار والإعسار.
الدليل الرابع: أنه صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة (?) . وعن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: أني لأدع الأضحية، وأنا من أيسركم، كراهة أن يعتقد الناس أنها حتم واجب. أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح، وذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبلال رضي الله عنهم (?) .
قلت: وإذا صح الوجوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قول غيره حجة عليه.
الدليل الخامس: التمسك بالأصل، فإن الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل الوجوب السالم من المعارضة.
قلت: وهذا دليل قوي جدا لكن القائلين بالوجوب يقولون: إنه قد