القول الثاني: أنه يحل، وهو المشهور من مذهب أحمد وقول جمهور العلماء لما روى أحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما رجع استقبله داعي امرأة ـ وفي لفظ لأحمد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول الله، إن فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام فانصرف، فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم، فنظر آباؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال: ((أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)) فأرسلت المرأة ـ وفي رواية: قامت ـ فقالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم أجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أطعميه الأسارى)) (?) .
هذا ما استدل به الجمهور، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطعامه الأسارى، ولو كان حراما ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعامهم إياه.
وأجابوا عن دليلي القائلين بعدم الحل بأن إكفاء القدور على سبيل التعزير والمبالغة في الزجر، وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن النهبة ليست بأحل من الميتة)) إلا أن يقال: المراد بيان حكم أصل النهبة، وأن من انتهب شيئا بغير حق ـ كان حراما عليه كالميتة وإن لم يكن من شرطه الذكاة، وأنه ليس المراد أن ذبح المنهوب لا يحله فيكون ميتة، والله أعلم.
وأما حديث جابر الذي استدل به الجمهور على الحل؛ فليس بظاهر الدلالة إذ ليس أخذ المرأة للشاة عدواناً محضاً، فإنما أخذتها مضمونة بالثمن من امرأة المالك، وقد جرت العادة بالسماح في مثل ذلك غالبا لاسيما وهي مقدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو من المشتبه الذي ينبغي التنزه عنه عند عدم الحاجة إليه ولذا تنزه عنه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم حاجته إليه، وأمر بإطعامه الأسارى لحاجتهم إليه غالبا.
وإذا تبين ألا دلالة للجمهور فيما استدلوا به ولا لمخالفيهم؛ وجب الرجوع إلى القواعد الشرعية العامة.
فنقول: المغصوب ونحوه مما أخذ بغير رضا صاحبه حرام على