الإباحة في المنع فلا تنافي الوجوب فمسلم، وذلك أن الأمين إذا رأى فيما اؤتمن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك؛ لأنه مؤتمن عليه، يجب عليه فعل الأصلح، ففي مثل هذه الصورة يجب على الراعي تذكيتها؛ لأنه أصلح الأمرين، وهو أمين مقبول قوله في خوف التلف، أما غير الأمين فلا يجب عليه ذلك إن خاف تبعة، والله أعلم.
ومقتضى ما سبق حل ذكاة الأقلف بدون كراهة، وهو ظاهر النصوص وإطلاق كثير من أصحابنا منهم صاحب المنتهى، ونقل في المغني عن ابن عباس: لا تؤكل ذبيحة الأقلف، وأن عن الإمام أحمد مثله، قال في ((الرعاية)) : وعنه تكره ذبيحة الأقلف والجنب والحائض والنفساء، وجزم بكراهة ذكاة الأقلف في ((الإقناع)) .
وأما الكتابي: فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله ـ تعالى ـ: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) (المائدة: 5) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: طعامهم ذبائحهم، وروي ذلك عن مجاهد وسعيد والحسن وغيرهم.
وأما السنة: ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها. الحديث (?) . وفي مسند الإمام عن أنس أيضا أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه (?) . والإهالة السنخة: الشحم المذاب إذا تغيرت رائحته، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم، وفي صحيح مسلم قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسما (?) .
وأما الإجماع: فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب غير واحد من العلماء، منهم صاحب ((المغني)) وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير في تفسيره، قال شيخ الإسلام: ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، قال: وما زال المسلمون في كل