له هذا الغرض كان غير راض بالتمليك فيرجع فيه؛ لأن أساس التمليكات الرضا:
وهذا الحكم وتعليله موضع نظر؛ لأن العبرة في كل عقود التمليكات الرضا وقت العقد, وقد اعتبر صدرو الإيجاب منه اختيارا دليلا على الرضا, من غير نظر إلى ما تنطوي عليه نفسه. فمتى قال الواهب المستوفي الشروط وهبت, اعتبر راضيا بإخراج العين الموهوبة من ملكه بغير عوض، ولا عبرة بما ينويه ولا بما يطرأ بعد ذلك. ولهذا كان الرجوع في الهبة من وجهة الدين والخلق رزيلة تأباها المروءة وكرم الخلق؛ لأن فيه تغريرا بالموهوب له، ونقضا لالتزام تم من الواهب. ولذا قال الشافعي: لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إلا فيما يهب الوالد لولده.
وأما الموانع السبعة التي تمنع الواهب أن يرجع في هبته فهي المرموز لها بحروف "دمع خزقة" وهي:
1- الزيادة المتصلة سواء كانت متولدة من الأصل, أو غير متولدة فمن وهبت له دابة فسمنت ونمت عنده، أو وهبت له قطعة أرض فبناها منزلا. أو وهب له منزل ذو طبقتين فبنى عليهما ثالثة، فليس للواهب أن يرجع في هبته؛ لأن الزيادة التي تولدت من الأصل كسمن الدابة أصبحت ملك الموهوب له؛ لأنها نماء مكله. والزيادة التي زادها الموهوب له كالبناء. هي ملكه أيضا, والواهب ليس له الرجوع إلا في ملكه خاصة وهو الأصل. وفصل الأصل من الزيادة قد يتعذر كما في سمن الدابة, أو يضر الموهوب له كما في البناء. وإذا فرجوع الواهب فيما وهب مع طروء هذه الزيادة المتصلة بنوعيهما إما متعذر وإما مضر بالموهوب له، فلهذا امتنع رجوعه في هذه الحال إلا إذا زالت الزيادة فيزول المانع ويعود له حق الرجوع. ومن هذا التعليل يفهم أن الزيادة المنفصلة لا تمنع الرجوع. كما إذا وهب له فرس فأسرجه.
2- موت أحد العاقدين الواهب أو الموهوب له فإذا مات الواهب فليس لورثته الرجوع في الهبة؛ لأن الرجوع حق شخصي للواهب مبني على غرضه وقصده من الهبة فما دام لم يظهر له غرض آخر حتى مات اعتبر راضيا تمام الرضا بما وهب.