الكتاب فخذه فإذا تناوله الموهوب له تم العقد بتناوله وملكه، سواء كان التناول في مجلس الإيجاب أو بعده. وإذا قال وهبتك هذا الكتاب ولم يقل فخذه فإن تناوله في مجلس الإيجاب ملكه؛ لأن سكوت الواهب إذن بالقبض دلالة. وإن تناوله بعد مجلس الإيجاب لا يملكه؛ لأنه قبض بغير إذن لا صراحة ولا دلالة فهو غير معتبر شرعا كما سيجيء.
وهل إيجاب الهبة مثل قبولها كما يكون بالقول يكون بالفعل بمعنى أن المالك إذا سلم شيئا من ملكه إلى آخر أو أرسل إليه شيئا منه ودلت القرائن على أنه يتبرع له به، هل يكون هذا الإرسال أو الإعطاء أو التسليم هبة بالفعل كالهبة بقول وهبت؟ الذي يؤخذ من أقوال فقهائنا أنه يكون هبة. فقد نصوا على أن الأب إذا سلم ابنته جهازها الذي جهزها به من ماله, ولم يصرح بأنه وهبه لها يعتبر هبة إذا كان العرف يشهد بأنه يوهب. ونصوا على أن الخاطب إذا أرسل إلى مخطوبته حلية أو ثوبا ولم يصرح بأنه من مهرها أو هبة لها يعتبر هبة إذا كانت العادة أن مثل هذا يوهب. ونصوا على أن الأب إذا أنفق على أولاده الأغنياء الذين لا تجب نفقتهم عليه يعتبر متبرعا، فالذي يؤخذ من هذا إن إيجاب الهبة كقبولها, كما يكون بالقول يكون بالفعل, إذا دلت القرينة على إرادة الهبة بهذا الفعل. وهذا استحسان كما صرحوا في البيع بأنه ينعقد بالتعاطي. والقياس أن العقود إنما تكون باللفظ ولكن قد يقوم الفعل مقام اللفظ بدلالة الحال, فيكون التسليم والتناول هبة وقبضا كما يكون التعاطي بيعا.
وقد يقوم إيجاب الواهب مقام قبول الموهوب له وقبضه، فتتم به الهبة كما إذا وهب الأب لولده الصغير، أو وهب أي ولي لمن هو في ولايته فإن عبارة الولي بمنزلة إيجاب منه وقبول عن المولى عليه، ويده نائبة عن يده فإيجابه هو في المعنى إيجاب وقبول وقبض.