ولا خيار للغلام ولا لأبيه وسائر عصبته في ذلك بل يجبر الغلام على أن يكون عند أبيه أو عاصبه في هذا الطور من عمره، ويجبر أبوه أو أقرب عصبته على إمساكه إذا امتنع من طلبه؛ وذلك لأن الشراع رأى مصلحة الصغير في أن يمسكه أبوه أو عاصبه بعد تجاوزه سن الحضانة ليهذبه ويربيه، فليس للغلام أن يختار غير ما رآه الشارع، وليس لأبيه أو عاصبه أن يمتنع عن القيام به؛ لأن حق الشرع لا يملك أحد تفويته. وإذا لم يكن للغلام أب ولا عاصب ولا وصي يبقى عند حاضنته إلا إذا رأى القاضي مصلحته في أخذه منها, وإبقائه عند غيرها ممن يختاره.
ويستمر هذا الحق ثابتا على الغلام لعصبته إلى أن يبلغ الحلم.
فإذا بلغ الغلام الحلم بأن بلغت سنه خمس عشرة سنة أو رأى أمارة من أمارات البلوغ قبلها, وكان عاقلا ذا رأي يستغني به صار أحق بنفسه وليس لأبيه ولا لأي واحد من عصبته إمساكه جبرا عنه، بل يكون مخيرا إن شاء انفرد بإقامته. وإن شاء أقام مع أبيه أو أمه أو غيرهما، إلا إذا كان بعد بلوغه الحلم مفسدا لا يؤمن على نفسه فإن لأبيه أو عاصبه الحق في إمساكه للمحافظة عليه, ودفع الفتنة والعار وتأديبه إذا وقع منه شيء يستوجب التأديب حتى يصير مأمونا على نفسه.
وأما البنت فإذا انتهت مدة حضانتها بأن بلغت سنها تسعا أو إحدى عشرة سنة صار الأحق بإمساكها أبوها، ثم جدها لأبيها، ثم أقرب عصبتها من الرجال المحارم كأخوتها الأشقاء وأعمامها، وليس لعصبتها من الرجال غير المحارم كأبناء عمها حق في إمساكها؛ لأن البنت بعد تجاوزها سن الحضانة واستغنائها عن خدمة النساء تكون حاجتها إلى المحافظة عليها وتأديبها وصونها وتحصينها. وعصبتها من الرجال المحارم أقدر على هذا من قريباتها من النساء. ولا خيار للبنت ولا لأبيها أو عاصبها المحرم في ذلك بل تجبر هي على أن تكون عند عاصبها المحرم، ويجبر عاصبها المحرم على إمساكها إذا امتنع؛ لأن هذا حق الشرع لا يملك أحد تفويته.