أن السبب في التحريم بالرضاع هو كون الإرضاع يجعل الرضيع كجزء من مرضعته, فيكون بمنزلة المولود من والدته، وهذه الجزئية إنما تتحقق إذا تغذى الطفل بهذا اللبن في الوقت الذي لا ينبت فيه لحمه وعظمه غالبا إلا به, وهو الحولان الأولان من عمره فالرضاعة في الحولين الأولين هي وحدها في الغالب سبب تكوين الطفل فتثبت بها الجزئية والتحريم. وأما بعد الحولين فلا تكون في الغالب غذاء الطفل وحدها ولا تثبت بها البعضية ولا التحريم، ولا فرق بين قليل الرضاع وكثيره متى تحقق حصوله في مدة الرضاع؛ لأن الله سبحانه قال في بيان المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} . وبالمرة والمرات والقليل والكثير يصدق أنها أرضعت، فلا يشترط للتحريم عدد من الرضعات ولا مقدار من لبن المرضعة، وإنما الشرط للتحريم أن يتحقق من وصول لبن المرضعة إلى جوف الطفل في مدة الرضاعة سواء كان بطريق امتصاصه ثديها، أو سقيه له، فإذا لم يتحقق من وصول اللبن إلى جوفه بأن التقم الثدي ولم يدر أرضع أم لا، فلا يثبت التحريم؛ لأنه لا يثبت بالشك.
وإذا اختلط لبن الآدمية بطعام ونضج بالنار فلا يتعلق به تحريم. وأما إذا خلط بسائل آخر من لبن أو ماء أو دواء، فإن كان هو الغالب يتعلق به التحريم، وإن كان مغلوبا لا يتعلق به التحريم.
وإذا اختلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى تعلق التحريم بأغلبهما. فإن استويا حرمتا. وقال محمد تحرمان مطلقا الغالب لبنها وغيرها، وهذا هو الظاهر.
وإذا تزوج رجل امرأة ثم تبين أنها تحرم عليه رضاعا وجب عليهما الافتراق رفعا لهذا الزواج الفاسد، وإن لم يفترقا رفع أي إنسان بطريق الحسبة دعوى تفريق. فإذا افترقا أو حكم بالفرقة كان الحكم حكم الفرقة بعد أي زواج فاسد.