رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الصَّدَاقِ] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا]
قَوْلُهُ " وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِيَّةِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ عِتْقُهَا قَائِمًا مَقَامَ الصَّدَاقِ، إذْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عِوَضٌ: سُمِّيَ صَدَاقًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا، وَكَانَتْ مَجْهُولَةً، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا: أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا، فَقَبِلَتْ، فَلَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ، وَمِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ إبْطَالٌ لِلشَّرْطِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَقَبِلَتْ: عَتَقَتْ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِتَزَوُّجِهِ، بَلْ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا، وَصَارَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْبَاطِلَةِ، أَوْ كَسَائِرِ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَعْوَاضِ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِالْمَجَّانِ. فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ: كَانَ لَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا لِلسَّيِّدِ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا: فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهَا وَلَهُ: صَحَّ الصَّدَاقُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ، وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَالْأَصَحُّ مِنْ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ الصَّدَاقَ بِالْقِيمَةِ الْمَجْهُولَةِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ، وَأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ - مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَوْلٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ -: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا، وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَيَصِحُّ الصَّدَاقُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ.
وَالْأَوَّلُونَ قَدْ يُؤَوِّلُونَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهَا قَائِمًا مَقَامَ الصَّدَاقِ فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ، وَالظَّاهِرُ مَعَ الْفَرِيقِ الثَّانِي، إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ الْأَوَّلِ فَيَتَرَدَّدُ الْحَالُ بَيْنَ ظَنٍّ نَشَأَ مِنْ قِيَاسٍ، وَظَنٍّ يَنْشَأُ مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، مَعَ احْتِمَالِ الْوَاقِعَةِ لِلْخُصُوصِيَّةِ