فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إلَّا أَبَا قَتَادَةَ، فَلَمْ يُحْرِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ. فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ. فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا. فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا. ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: نَعَمْ. فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ، فَأَكَلَ مِنْهَا ".

[باب المحرم يأكل من صيد الحلال]

[حديث أن رسول الله خرج حاجا فخرجوا معه]

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْمُحْرِمِ يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِ الْحَلَالِ] [حَدِيثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ]

تَكَلَّمُوا فِي كَوْنِ أَبِي قَتَادَةَ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، مَعَ كَوْنِهِمْ خَرَجُوا لِلْحَجِّ، وَمَرُّوا بِالْمِيقَاتِ. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ.

وَأُجِيبَ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا: مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لِكَشْفِهَا. وَكَانَ الِالْتِقَاءُ بَعْدَ مُضِيِّ مَكَانِ الْمِيقَاتِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَبْلَ تَوْقِيتِ الْمَوَاقِيتِ. وَ " الْأَتَانُ " الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ. وَقَوْلُهُمْ " نَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ " وَرُجُوعُهُمْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ: دَلِيلٌ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُمْ أَكَلُوهُ بِاجْتِهَادٍ وَالثَّانِي: وُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى النُّصُوصِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ وَالِاحْتِمَالَاتِ.

«وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا " دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ، إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ دَلَالَةٌ وَلَا إشَارَةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا، صِيدَ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا. وَهَذَا مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَدَلِيلُهُ: حَدِيثُ الصَّعْبِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَمْنُوعٌ إنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لِأَجْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015