. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ " صَاعًا مِنْ طَعَامٍ " يُرِيدُ بِهِ الْبُرَّ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي أَنَّ الْبُرَّ يَخْرُجُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ. وَهَذَا أَصَرْحُ فِي الْمُرَادِ، وَأَبْعَدُ عَنْ التَّقْدِيرِ وَالتَّقْوِيمِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ نَصًّا عَلَى التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ. فَتَقْدِيرُ الصَّاعِ مِنْهُمَا بِنَصِّ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ: لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ. وَقَدْ كَانَتْ لَفْظَةُ " الطَّعَامِ " تُسْتَعْمَلُ فِي " الْبُرِّ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، حَتَّى إذَا قِيلَ: اذْهَبْ إلَى سُوقِ الطَّعَامِ، فُهِمَ مِنْهُ سُوقُ الْبُرِّ، وَإِذَا غَلَبَ الْعُرْفُ بِذَلِكَ نَزَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْأَلْفَاظِ: عَلَى حَسَبِ مَا يَخْطِرُ فِي الْبَالِ مِنْ الْمَعَانِي وَالْمَدْلُولَاتِ. وَمَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَخُطُورُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَقْرَبُ. فَيُنْزَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعُرْفُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إخْرَاجِ " الْأَقِطِ " وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ " الزَّبِيبُ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ قَدْ مَرَّ. وَهَلْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَقْوَاتًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا مُطْلَقًا؟ و " السَّمْرَاءُ " يُرَادُ بِهَا الْحِنْطَةُ الْمَحْمُولَةُ مِنْ الشَّامِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ هُوَ الَّذِي عَدَلَ الصَّاعَ مِنْ غَيْرِ " الْبُرِّ " بِنِصْفِ الصَّاعِ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالِاجْتِهَادِ بِالنَّظَرِ، وَالتَّعْوِيلِ عَلَى الْمَعَانِي فِي الْجُمْلَةِ. وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ نَصٌّ خَاصٌّ - مَرْجُوحًا بِمُخَالَفَةِ النَّصِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي وَأَوَّلُهُ (كِتَابُ الصِّيَامِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ عَلَى الْإِتْمَامِ. وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى عَبْدِهِ الْكَرِيمِ وَرَسُولِهِ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ.