وهؤلاء الجن يتحدثون ويتكلمون بالأصوات المرتفعة بيننا ونحن لا نسمعهم، وقد كانت الملائكة تضرب الكفار بالسِّياط وتضرب رقابهم وتصيح بهم، والمسلمون معهم لا يرونهم ولا يسمعون كلامهم، والله سبحانه قد حجب بني آدم عن كثير مما يُحدثه في الأرض وهو بينهم، وقد كان جبريل يُقرئ النبي صلى الله عليه وسلم ويُدارسه القرآن والحاضرون لا يسمعونه.
وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه ويُقِرّ بقدرته أن يُحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلقه حكمة منه ورحمة بهم لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها، والعبد أضعف بصراً وسمعاً من أن يَثْبت لمشاهدة عذاب القبر، وكثيراً ممن أشهده الله ذلك صَعِقَ وغُشي عليه ولم ينتفع بالعيش زمناً.
وبعضهم كُشِف قناع قلبه فمات، فكيف يُنكّر في الحكمة الإلهية إسبال غطاء يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ذلك حتى إذا انكشف الغطاء رأوه وشاهدوه عياناً.
ثم إن العبد قادر على أن يُزيل الزئبق والخردل عن عين الميت وصدره ثم يردّه بسرعة فكيف يعجز عنه الملك وكيف لا يقدر عليه من هو على كل شيء قدير. وكيف تعجز قدرته عن إبقائه في عينيه وعلى صدره لا يسقط عنه، وهل قياس أمر البرزخ على ما يُشاهده الناس في