فإذا كانت الروح تتألم وتتنعّم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع. فهكذا في البرزخ. بل أعظم فإن تجرّد الروح هنالك أكمل وأقوى. وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الإنقطاع.
[فإذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهراً بادياً أصلا.]
ومتى أعطيت هذا الموضع حقة تبين لك ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمّه، وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مِرْيَة فيه، وأن مَنْ أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه أُتِيَ كما قيل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد وهذا روحه في النعيم ويستيقظ وأثر النعيم على بدنه. وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه. وليس عند أحدهما خبر بما عند الآخر.
كذلك فإن النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ولا من زروع الدنيا فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخَضِرَها. وإنما هي من نار الآخرة وخَضِرِها. وهي أشد من نار الدنيا فلا يُحِسُّ به أهل الدنيا.