فإن كان مع العبد روح أخرى نسبتها إلى روحه كنسبة روحه إلى بدنه تستدعي بها إرادة الله من نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلاً وإلا فمحله غير قابل للعطاء وليس معه إناء يوضع فيه العطاء، فمن جاء بغير إناء رجع بالحرمان ولا يلومن إلا نفسه.
وتوكيل العبد ربه تفويضه إليه وعزل نفسه عن التصرف وإثباته لأهله ووليّه.
ولهذا قيل في التوكل: إنه عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية، وهذا معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه نائبه في التصرف.
وعِلم العبد بتفرد الحق تعالى وحده بملك الأشياء كلها وأنه ليس له مشارك في ذرّة من ذرات الكون من أقوى أسباب توكله وأعظم دواعيه.
فإذا تحقق ذلك علماً ومعرفة وباشر قلبه حالاً لم يجد أبداً من اعتماد قلبه على الحق وحده وثقته به وسكونه إليه وحده وطمأنينته به وحده لعلمه أن حاجاته وفاقاته وضروراته وجميع مصالحه كلها بيده وحده لا بيد غيره، فأين يجد قلبه مناصاً من التوكل بعد هذا؟