ومن عرف الله وحقه وما ينبغي لعظمته من العبودية تلاشت حسناته عنده وصغرت جداً في عينه، وعَلِم أنها ليست مما ينجو بها من عذابه وأن الذي يليق بعزته ويصلح له من العبودية أمر آخر وكلما استكثر منها استقلها واستصغرها، لأنه كلما استكثر منها فُتحت له أبواب المعرفة بالله والقرب منه فشاهد قلبه من عظمته سبحانه وجلاله ما يستصغر معه جميع أعماله ولو كانت أعمال الثقلين، وإذا كثرت في عينه وعظمت دلّ على أنه محجوب عن الله غير عارف به وبما ينبغي له.
وبحسب هذه المعرفة ومعرفته بنفسه يستكثر ذنوبه وتعظم في عينه لمشاهدته الحق ومستحقه وتقصيره في القيام به وإيقاعه على الوجه اللائق الموافق لما يحبه الرب ويرضاه من كل وجه.
إذا عُرف هذا فاستقلال العبد المعصية عين الجرأة على الله وجهل بقدر من عصاه وبقدر حقه، وإنما كان مبارزة لأنه إذا استصغر المعصية واستقلها هان عليه أمرها وخفّت على قلبه، وذلك نوع مبارزة. إنتهى.
من هنا تعلم أنه قد يكون السير إلى وراء باستصغار المعصية واستكثار الطاعة، وهذا لا يصدر إلا من جهل بالنفس والرب.