والقصد أن هذه الذلّة والكسْرة الخاصة تُدخله على الله وترميه على طريق المحبة فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبواباً من المحبة لكن الذي يُفتح منها من طريق الذل والإنكسار والإفتقار وازدراء النفس ورؤيتها بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم بحيث يشاهدها ضَيْعة وعجزاً وتفريطاً وذَنْباً وخطيئة نوع آخر وفتح آخر.

والسالك بهذه الطريق غريب في الناس، هم في واد وهو في واد، وهي تسمى: طريق الطير، يسْبق النائم فيها على فراشه السُّعاة فيصبح وقد قطع الطريق وسبق الركب، بينما هو يحدثك إذا به قد سبق الطرْف وفات السُّعاة، فالله المستعان وهو خير الغافرين.

وهذا الذي حصل له من آثار محبة الله له وفرحه بتوبة عبده فإنه سبحانه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم أعظم فرح وأكمله. انتهى.

وبهذا يتبيّن أن كسرة التائب أحب إلى الله تعالى من صولة المُدِلّ إذ الإدْلال (أي المَنُّ والإعجاب) بالعمل بغيضٌ لدى الله .. مُفْسِد للعمل نفسه كما قال سبحانه –كما في الحديث القدسي- (وإن من عبادي من يريد باباً من العبادة فأكفُّه عنه لئلا يدخله عُجْبٌ فيفسده ذلك .. ) فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015