عنهما مرجعه إلى الويل والثبور 1، ويتجرع كؤوس الندامة يوم النشور.
واعلموا: أنّه لا ينفع مال ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم، وعلّقوا ظاهرم، وباطنكم بالله- تعالى- ولا تشغلوا سرّكم بسواه- فإنّه ليس في الوجود سواه- وكما تحذرون الوقوع في العمل المشترك، احذروا أن يكون لكم قلب مشترك، فإنّ الله- سبحانه- غيور لا يريد من يقف بساحة المنازل والدّور.
وقد تقدّم قول "عمر"- رضي الله عنه-: "إنّما تقاتلون بأعمالكم"، وتقدّم: أنّ النصر مقرون بالصبر، أي: المشتمل على أقسامه الثلاثة، وتلك الأقسام: هي العمل بالكتاب والسنة لا يخرج عنهما شيء.
واعلموا: أنّ أحوالنا مع الله- تبارك وتعالى- كأحوال: أمة حبشيّة جيء بها من بلادها، من يد إلى يد يلعب بها، فلما وصلت إلى [57/أ] السوق اشتراها السلطان، وخلع عليها من أنواع الحلي والحلل على اختلاف أنواعها ما لا يوصف، فإنْ كانت عاقلة عارفة قدر نفسها، وتفكّرت في أصلها، وخساسة قدرها، وحقّقت أن كل ما عندها، إنّما هو خلع من فضل السلطان عليها، واعترفت له بالإحسان، وعدم استحقاقها لتلك الخلع، فقد قيّدت تلك النعم 2 بعقالها 3، وإنْ هي رأت لنفسها مزيّة استحقّت بها ذلك منه، فقد تعرّضت لزوالها.
أرأيت ان سلبها تلك الخلع، وأخرجها إلى السوق تباع، أليست هي الأمة الأولى؟!.
فحال الذين: صدقوا في الإيمان، وصبروا، وشكروا نعم الله عليهم بطاعته، وامتثال أوامره- من جهاد واستعداد، وغيرهما من إقامة الصلاة، واجتناب المحرمات، وارتكاب الشهوات- كحال: الأمة المعترفة بإحسان سيّدها إليها، لأنّها لم تفرح بالنعم نفسها، وإنّما فرحت بالمنعم عليها، ورضي سيّدها عليها، واستحقت بذلك المزيّة.