ومن أهمّ أسباب هذا التأخر الذي طرأ على الجيش المغربي، عدم أخذه بالأنظمة الحديثة التي كان خصمه متوفراً عليها، وكان هو على الضدّ من ذلك، حتى أنّ قائد الجيش الفرنسي "بيجو" لما أشرف على الجيش المغربي قال: (ليس هذا جنداً، إنّما هو غوغاء) من كثرة ما كان عليه من الفوضى والضعف 1.
كما قال السلاوي في وصفه للحالة التي كان عليها الجيش المغربي-: (فالحاصل أن جيش مغربنا إذا حضروا القتال وكانوا على ظهور خيولهم فهم في تلك الحال مساوون في الاستبداد لأمير الجيش، لا يملك من أمرهم شيئاً، وانّما يقاتلون هداية من الله لهم، وحياء من الأمير، وقليل ما هم، وقد جربنا ذلك فصحّ، ففرّوا عن السلطان المولى سليمان في "وقعة ظيان" أولاً، وفي وقعة "الشراردة ثانياً"، وكان السلطان المولى عبد الرحمن أهيب في نفوسهم منه، فكانوا يلزمونه غرزه، لكنّه لما بعثهم إلى تلمسان فعلوا فعلتهم، وسلكوا عادتهم، ولما شهدوا مع الخليفة سيدي محمد بن عبد الرحمن وقعة "ايسلي" جاءوا بها شنعاء غريبة في القبح .... " 2.
ومن خلال هذا النص يمكن أن ندرك مدى انحطاط الجيش المغربي من أيام المولى سليمان، وهو العهد الذي أخذت تتبدّل فيه أحوال المغرب نتيجة لتغيّر الأوضاع في أوروبا.
فأصبح المغرب المنيع القوي- بعد احتلال الجزائر وضعفه عن نصرتها- يعيش تحت التهديد المستمر لاستقلاله، فمن مشاكل الحدود التي تثار في كل مناسبة، إلى اغتصاب لبعض أجزائه: من فرنسا تارة واسبانيا أخرى 3، إلى تدخلات لا حدّ لها في شؤون المغرب الداخلية، إلى إثارة قلاقل وخصوصاً