وَالْجَوَاب عَنهُ أَنه لَا يلْزم إِذا كَانَت الْمُخَالفَة لدَلِيل رَاجِح أَن يكون ذَلِك بِالنِّسْبَةِ إِلَى نفس الْأَمر بل راجحا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ظَنّه وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم أَن يكون ذَلِك مطابقا لما فِي نفس الْأَمر بل جَازَ أَن يكون مرجوحا وَهُوَ يَظُنّهُ راجحا وَهَذَا احْتِمَال لَا مدفع لَهُ فَلَا يتْرك ظَاهر هَذَا الْخَبَر لهَذَا الْمُحْتَمل
وايضا فالاتفاق على أَن الصَّحَابِيّ غير الرَّاوِي للْحَدِيث إِذا خَالفه بِالْكُلِّيَّةِ لَا يعْتد بمخالفته وَلَا يُعلل بهَا الْخَبَر بل يعْمل بِهِ ويعدل عَن مَذْهَب الصَّحَابِيّ وَمن الْجَائِز الْقوي أَن يكون ذَلِك الصَّحَابِيّ قد اطلع على هَذَا الْخَبَر وَإِنَّمَا خَالفه لمعارض ظَنّه راجحا عَلَيْهِ فَيلْزم على أصلهم اتِّبَاع أَقْوَال الصَّحَابَة الْمُخَالفَة للْأَخْبَار والعدول إِلَيْهَا دون الْأَخْبَار لعين مَا قَالُوهُ من غير فرق بَين الرَّاوِي وَغَيره وَذَلِكَ بَاطِل فَيلْزم مثله فِي الرَّاوِي أَيْضا
وَقَوْلهمْ إِنَّه يكون فَاسِقًا إِذا ترك الْعَمَل بالْخبر من غير معَارض رَاجِح قلت إِنَّمَا يلْزم إِذا تَركه من غير معَارض بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا ندعي ذَلِك بل يجوز لَهُ تَركه لمعارض رَاجِح فِي ظَنّه وَلَا يلْزم فسقه إِذا لم يكن راجحا فِي نفس الْأَمر
واختارإمام الْحَرَمَيْنِ تَفْصِيلًا فِي ذَلِك وَهُوَ أَنه إِن تحققنا أَن مُخَالفَة الرَّاوِي كَانَت لنسيان الْخَبَر أَو لعدم فهمه لَهُ فَلَا شكّ فِي وجوب اتِّبَاع الْخَبَر وَلذَلِك إِذا كَانَ لورع فِي الرَّاوِي بِأَن يكون الْخَبَر يَقْتَضِي ترخصا والراوي شَدِيد الْوَرع فَإِنَّهُ تحمل الْمُخَالفَة على أَخذه بِالِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالغَة فِي الْوَرع