ومع أن عبارات نفي العلم بالسماع كانت وما زالت تدلّ (عند المشتغلين بعلم الحديث) على نفي السماع، وأنه لا فرق بينها في المعنى غالبًا، لأن عبارات نفي العلم بالسماع وعبارات نفي السماع إنما هي مبنيّة على القرائن= إلا أنّ هذه المُسلَّمةَ الصحيحةَ ستصبح عند بعضهم محلَّ نظر وشك، لا لشيءٍ، إلا لأنّها سَتَنْسِفُ مسلّمةً أخرى، قد تكون أكثر رسوخًا في نفوسهم!!
لذلك فإني سأذكّر هنا بأمثلةٍ يسيرةٍ جدًّا، تدل على أن نفي العلم بالسماع يعني ترجيح عدم حصول السماع، لا أنه مجرّد خبرٍ عن عدم الوقوف على ما يدل عليه، كما يريد المستدلون به على أنه دليلُ اشتراط العلم بالسماع.
* فانظر إلى قول الترمذي: ((لا نعرف للأسود سماعًا من أبي السنابل، وسمعت محمدًا يقول: لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (?)
فهذا نفي للعلم بالسماع، مع عدم المعاصرة أصلاً بين الراويين!! فهل هو إعلالٌ بعدم العلم بالسماع بناءً على اشتراط العلم به؟ !
* ويقول الترمذي: ((لا نعرف لأبي قلابة سماعًا من عائشة، وقد روى أبو قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة غير هذا الحديث)) (?)
فهذا نفي للعلم بالسماع، مُعلّلاً بقرينة ذكر الواسطة.