على أن الصواب: هو أن الشيخين (البخاريَّ ومسلمًا) كانا مراعيين لقرائن السماع وعدمه أتمَّ مراعاة، وأمّا ما أخرجاه وحُكم عليه بعدم السماع فإنه لا يتجاوز أن يكون اختلافَ اجتهادٍ بين الأئمة غالبًا، وقد يصح أن يُعتذر في بعض الأحاديث بأنهما إنما أخرجاها متابعةً أو شاهدًا لا على وَجْهِ الأصالة والاحتجاج (?) ، وقد يصحُّ أيضًا أن يكون إخراجُه بيانًا لعلّته!! فيما إذا كان سياقُ ذكرهما له يدل على هذا المعنى.

وانظر كيف قاد اعتقادُ عدمِ مراعاة مسلم للقرائن إلى ظُلمِ مسلم (عليه رحمة الله) !! وذلك في قول ابن رجب: ((ويردُّ على ما ذكره مسلمٌ: أنه يلزمه أن يحكم باتّصال كل حديث رواه من ثبت له رؤيةٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هؤلاء أولى، لأن هؤلاء ثبت لهم اللُّقِيّ، وهو يكتفي بمجرّد إمكان السماع. ويلزمه أيضًا الحُكْمُ باتصال حديث كل من عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمكن لُقِيُّهُ له، إذا روى عنه شيئًا، وإن لم يثبت سماعه منه، ولا يكون حديثُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وهذا خلافُ إجماع أئمة الحديث)) (?) .

لقد ظنَّ ابنُ رجب أن مسلمًا لا يراعي قرائن عد السماع، ولذلك ألزمه بهذين الإلزامين.

فلن تجدَ في الردّ على ذلك الظنّ، ولا في دَفْعِ هذين الإلزامين، أقوى من تصريح مسلم بعدم التزامه بهما.

ففي الإلزام الأول: يقول مسلم في كتابه (الطبقات) ، وفي طبقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015