وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64] وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64] وَيَكُونُ تَخْيِيبُهُمْ وَإِبْطَالُ مَا رَامُوهُ هُوَ تَرْكُهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْحَيْرَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ وَلَا يُبْصِرُونَ سَبِيلًا بَلْ هُمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ.
وَهَذَا التَّقْدِيرُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَفِي كَوْنِهِ مُرَادًا بِالْآيَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا قُصِدَ لِغَيْرِهِ، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} [البقرة: 17] وَمَوْقِدُ نَارِ الْحَرْبِ لَا يُضِيءُ مَا حَوْلَهُ أَبَدًا، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] وَمَوْقِدُ نَارِ الْحَرْبِ لَا نُورَ لَهُ، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمُ انْتَقَلُوا مِنْ نُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصِيرَةِ إِلَى ظُلْمَةِ الشَّكِّ وَالْكُفْرِ، قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ الْمُنَافِقُ أَبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ وَعَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] . " أَيْ: لَا يَرْجِعُونَ " إِلَى النُّورِ الَّذِي فَارَقُوهُ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] فَسَلَبَ الْعَقْلَ عَنِ الْكُفَّارِ إِذْ