وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ: {بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] وَلَمْ يَقُلْ: بِضَوْئِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} [البقرة: 17] ; لِأَنَّ الضَّوْءَ هُوَ زِيَادَةٌ فِي النُّورِ، وَلَوْ قِيلَ: ذَهَبَ اللَّهُ بِضَوْئِهِمْ لَأَوْهَمَ الذَّهَابَ بِالزِّيَادَةِ فَقَطْ دُونَ الْأَصْلِ، فَلَمَّا كَانَ النُّورُ أَصْلُ الضَّوْءِ كَانَ الذَّهَابُ بِهِ ذَهَابًا بِالشَّيْءِ وَزِيَادَتِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّفْيِ عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الظُّلُمَاتِ الَّذِينَ لَا نُورَ لَهُمْ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى كِتَابَهُ نُورًا، وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورًا، وَدِينَهُ نُورًا، وَهُدَاهُ نُورًا، وَمِنْ أَسْمَائِهِ النُّورُ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، فَذَهَابُهُ سُبْحَانَهُ بِنُورِهِمْ ذَهَابٌ بِهَذَا كُلِّهِ.
وَتَأَمَّلْ مُطَابَقَةَ هَذَا الْمَثَلِ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] ، كَيْفَ طَابَقَ هَذِهِ التِّجَارَةَ الْخَاسِرَةَ الَّتِي تَضَمَّنَتْ حُصُولَ الضَّلَالَةِ وَالرِّضَى بِهَا وَبَذْلَ الْهُدَى فِي مُقَابَلَتِهَا وَحُصُولَ الظُّلُمَاتِ الَّتِي هِيَ الضَّلَالَةُ وَالرِّضَى بِهَا، بَدَلًا عَنِ النُّورِ الَّذِي هُوَ الْهُدَى وَالنُّورُ فَبَذَلُوا الْهُدَى وَالنُّورَ وَتَعَوَّضُوا عَنْهُ بِالظُّلْمَةِ وَالضَّلَالَةِ فَيَالَهَا " مِنْ " تِجَارَةٍ مَا أَخْسَرَهَا وَصَفْقَةٍ مَا أَشَدَّ غَبْنَهَا. وَتَأَمَّلْ