{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فَقَالَ: أَثْبَتَ ذَاتَهُ وَنَفَى مَكَانَهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ وَالْأَشْيَاءُ مَوْجُودَةٌ بِحِكْمَتِهِ كَمَا شَاءَ، قِيلَ: الْقُشَيْرِيُّ لَمْ يَذْكُرْ لِهَذِهِ الْحِكَايَةِ إِسْنَادًا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُسْنَدٌ عَنْهُ، وَفِي كُتُبِ التَّصَوُّفِ مِنَ الْحِكَايَاتِ الْمَكْذُوبَةِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا النَّقْلُ بَاطِلٌ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْآيَةِ بَلْ هُوَ مُنَاقِضٌ لَهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ إِثْبَاتَ ذَاتِهِ وَنَفْيَ مَكَانِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِذَلِكَ؟ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ هُوَ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ وَالْأَشْيَاءُ مَوْجُودَةٌ بِحُكْمِهِ فَحَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ.
(قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيِّ) : قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42] فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] هَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ فَوْقَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مُتَنَزِّهٌ عَنِ الدُّخُولِ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ