قَالَ: قَالَتِ الزَّنَادِقَةُ: فَمَا بَالُ جُلُودِهِمُ الَّتِي قَدْ عَصَتْ قَدِ احْتَرَقَتْ وَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ جُلُودًا غَيْرَهَا فَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَذِّبُ جُلُودًا بِلَا ذَنْبٍ حِينَ يَقُولُ: " {جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] " فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَقُلْنَا: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] لَيْسَ يَعْنِي جُلُودًا أُخْرَى غَيْرَ جُلُودِهِمْ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِتَبْدِيلِهَا تَجْدِيدِهَا لِأَنَّ جُلُودَهُمْ إِذَا نَضِجَتْ جَدَّدَهَا اللَّهُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى آيَاتٍ مِنْ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ مِمَّا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ الضُّلَّالُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ثُمَّ سَاقَ أَدِلَّةَ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ: وَوَجَدْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَسْفَلَ مَذْمُومًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29] ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3] يَقُولُ: هُوَ إِلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمَا دُونَ الْعَرْشِ، لَا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكَانٌ وَلَا يَكُونُ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَمِنَ الِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي يَدِهِ قَدَحٌ مِنْ قَوَارِيرَ وَفِيهِ (شَيْءٌ) كَانَ نَظَرُ ابْنِ آدَمَ قَدْ أَحَاطَ بِالْقَدْحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ آدَمَ فِي الْقَدَحِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ - وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ وَقَدْ عَلِمَ كَيْفَ هُوَ وَمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ، قَالَ: وَخَصْلَةٌ أُخْرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى دَارًا بِجَمِيعِ مَرَافِقِهَا ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهَا كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَمْ بَيْتٌ فِي دَارِهِ وَكَمْ سَعَةُ كُلِّ بَيْتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي جَوْفِ الدَّارِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015