فالتفرد لا يؤخذ ضابطا لرد روايات الثقات بل له أحوال مختلفة، حتى رواية الضعيف لا يرد ما ينفرد به مطلقا، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صح من حديثه؛ قال سفيان الثوري: ((اتقوا الكلبي، فقيل له: انك تروي عنه، قال: اني أعلم صدقه من كذبه)) (?)
وقد روى الامام البخاري ومسلم عن بعض من في حفظهم شيء لما ثبت لديهما أنهم حفظوه ولم يخطؤا فيه (?) ، ومثل هذا لا يستطيعه كل أحد.
والتفرد اذا كان بالطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة فانه لا يضر وكذلك الحال في طبقة كبار التابعين، وذلك اذا كان المتفرد عدلا ضابطا، أما اذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة التي من شأنها التعدد والشهرة (?) ، لا سيما اذا كان عن الرواة المكثرين الذي يكثر تلامذتهم وينقل أحاديثهم جماعة، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرد عنه وكيف كانت ملازمته له، وكيف كان يتلقى منه الأحاديث عموما وهذا الحديث الذي تفرد به خصوصا، وحالة ضبطه لما يرويه عامة وهذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم، ولم يكونوا يطلقون فيه حكما مطردا بالقبول اذا كان ثقة أو بالرد اذا كان ضعيفا، وانما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب