قَدْ تَاتِي الرِّوَايَاتُ مُخْتَلِفَة الألفَاظ عَلَى الرَّغم مِن أَنَّهَا صَدَرَتْ من مَخْرَج إسناد واحد يدور عليها، واخْتِلافُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بهذه الصورة فِي الموضوع الواحد مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بينها، ولمعرفة هل كان الأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ، أي تَعَدد القِصْة -وَالأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ - أم أنَّها قِصْةٌ واحدةٌ وقد وهم أو اضطرب فيها بعض الرُّواة؟ ؛ لِذَا استخدم شُرَّاحُ الحديث أدوات وقَرَائِن لإثبات تعدد القصة، أو نفي التَّعدد، ومِن هذه الأدوات والقرائن تاريخ النَّص الحديثي؛ لبيان مَا الْتبس واشتبه من الأحداث ذات الْمَوضُوع الوَاحِد والألفاظ الْمُخْتَلِفَة ولها نفس الْمَخْرَج؛ لأَنَّ الحديث يُفَسِّرُ بَعْضَهُ بَعْضًا، ولا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، ولسوف نحاول في هذا المبحث ضرب بعض الأمثلة التطبيقية؛ لِتَظْهَر علاقة أثر تاريخ النَّص في إثبات تعدد القصة، أو نفي التَّعدد.
المثال الأول: ما أَخْرَجَهُ البُخَاريّ فِي صَحِيحِهِ، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ، فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ، «وَهُوَ عَامِدٌ