أَنْ يكون هذا البحث والتَّحقيق حَافِزًا لبعض النُّبَهاء من العالمين بالفلك إلى حساب الكسوفات التي حصلت بالمدينة في السنين العشر الأولى من الهجرة النَّبَوية، أي إلى وقت وفاته - صلى الله عليه وسلم -، في يوم الأحد (12) ربيع الأول سنة إحدى عشر هجرية، أو الاثنين (13) منه، الموافقان ليومي (7) يونية سنة 632 ميلادية أو (8) منه.
فإذا عُرِفَ بالحساب عَدَد الكسوفات في هذه المدة أمكن التَّحقيق من صحة أحد المسلكين. إمَّا حَمْلُ الرِّوايَات عَلَى تَعَدد الوقَائِع، وإمَّا تَرْجِيح الرِّواية التي فيها ركوعان في كل ركعة، وأنا أميل جدًا إلى الظن بأن صلاة الكسوف ما صليت إلا مرة واحدة، فقد علمنا من رسالة محمود باشا الفلكي أَنَّهُ حَصُلَ خسوف للقمر في المدينة في يوم الأربعاء 14 جمادى الثانية من السنة الرَّابعة للهجرة الموافق (20) نوفمبر سنة 625، ولم يرد ما يدل على أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - جمع النَّاس فيه لصلاة الخسوف، ويؤيد هذا أن الأحاديث الواردة في صلاة الكُسُوف دَالة بِسِيَاقِها عَلَى أَنَّ هذه الصَّلاة كَانت لأول مَرةٍ، وأَنَّ الصَّحَابَة لم يكونوا يعلمون ماذا يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها، وأنهم ظنوا أنها كسفت لموت إبراهيم، وأَنَّ المدة بين موت إبراهيم - عليه السلام - وبين موت أبيه - صلى الله عليه وسلم - لم تزد على أربعة أشهر ونصف، فلو كان الكسوف حصل مرة أخرى وقاموا للصلاة لظهر ذلك واضحًا في النقل لتوفر الدَّوَاعِي إلى نَقْلِهِ، كَمَا نَقَلُوا مَا قَبْلَهُ بأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ، واللهُ أَعْلَمُ بالصَّوَابِ ". (?)