المبحث الثاني: أثر تَارِيخ النَّص على الفَهْم الصَّحِيح، وسَلامة الاسْتِنْبَاط

إنَّ من نَفَائِسَ مَا يُعْلَمُ في علم دِرَاية الحديث معرفة التَّوَارِيخ التي تفسر الوقائع، وتحدد المعالم، وترجح بالأدلة الدَّامغة مسار النص ومقصوده؛ ممَّا يؤدي إلى أنوار الفهم والاستنباط الصحيح، قال النَّووي: "وَلَقَدْ أَحْسَنَ القَائِلُ: مَنْ جَمَعَ أَدَوات الْحَدِيثِ اسْتَنَارَ قَلْبُهُ واسْتَخْرَجَ كُنُوزَهُ الْخَفِيَات" (?)، فإنَّ الحكمة ضالة المؤمن أَنَّى وجدها فهو أحقُّ النَّاسِ بها (?)، ولا يمكن لأَحَدٍ أن يدرك حقيقة أي علم، أو أن يكشف خباياه إلا بالغوص في أعماق زواياه.

وعِلْمُ تَارِيخ النَّصِ النَّبوي يَعْتَمدُ على طرق تحديد وحساب الزَّمن الذي حَدَثَ فيه القول أو الفعل أو التَّقرير، وسوف نجد في الأمثلة التالية أنَّ أئمة شُرَّاح الحديث يذكرون مباشرةً تاريخ النَّص المحدد، ثم يُبَيِّنُون أو يُرَجِّحُون على ضوء هذا التَّاريخ من غير ذِكْرٍ مفصلٍ لكيفية تحديدهم لهذه التَّواريخ؛ وذلك إمَّا أنَّ يكون قَدْ حَسَبَهُ بقرائن ومرويَّات استحضرها من حفظه، أو أنَّهُ أخذها من شيخه، أو ممن قد حَسَبَهَا بقرائن ومرويَّات كذلك؛ ولِذَا قد خَفِيَ علينا هذا العلم الجليل "علم تاريخ النَّص النَّبوي"، فهو أشبه بعلم علل الحديث من هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015