إلى أحديّتك، حتى إذا رآني خلقُك قالوا: رأيناكَ، فتكون أنت ذاكَ، ولا أكون أنا هنا”1.

وقول البسطامي ـ هذا ـ، وإن كان مشابهًا لقول سلفه ـ الحلاَّج ـ، إلاَّ أنَّه أوغل منه في الحلول، بل يُشمّ منه رائحة الاتحاد الذي انتهى إليه ابن عربي، وأشباهه. وهذا ما جَزَمَ به الدكتور عبد القادر محمود [د. ت] ، إذ قال ـ بعد أن نقل عبارة البسطامي المتقدّمة، وعبارات أخرى ـ: “ونصل من هذا، إلى أنَّ هذا النوع من التوحيد عبر الاتحاد الذي لا إشارة فيه، ولا مُشار، ولا مُشير. هذا النوع من التوحيد يتلقَّاه الصوفيُّ حال السَّكَر؛ وهو فناء الذات الخاصَّة في ذات الألوهيَّة، وأنَّه ما ثَمَّ إلا الله، فوجود العبدِ وجود الربِّ، والعكس. ومن هنا يُنسب للعبد ما نُسب للربّ”2.

ولم يُنكر الصوفيَّة هذا المعتقد الإلحادي، بل رفعوا من شأن معتنقيه، وزعموا أنَّه منزلة من منازل العارفين، يصل إليها الخواصّ، فتفنى ذاتهم وصفاتهم البشريَّة، وتتحوَّل إلى صفات إلهيَّة؛ أي يحلّ الله فيهم، فيُصبحون آلهة ـ تعالى الله عن قولهم.

ولنستمع إلى أحد أئمَّتهم3، معبِّرًا عن هذا المعتقد بقوله: “إنَّ العارف من فَنِيَتْ ذاته وصفاته في ذاته تعالى وصفاته، فلم يبقَ له اسمٌ ولا رسمٌ”4.

وبهذه النقول اليسيرة ـ التي أوردتُها على سبيل المثال، لا الحصر ـ يتضّح أنّ عقيدة الحلول ليست من الإسلام في شيء، بل هي عقيدةٌ إلحاديَّةٌ، دخيلةٌ عليه، جاء الإسلام لمحاربتها وأشباهها من المعتقدات، وقد تسرَبت إليه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015