المبحث الأول:
التماثل الصوتي في الفتح
تحقق التماثل الصوتي في الفتح في عدد من القراءات القرآنية التي وردت في "التاج "، وهي على الوجه التالي:
• (مَكُثَ) (?): قال تعالى: {فَمَكَثَ غيرَ بَعِيد} (?). [التاج: مكث].
قرئ بفتح الكاف وضمها، فمن فتحها جعله من باب (نَصَرَ يَنْصُرُ)، ومن ضمها جعله من باب (كَرُمَ يَكْرُمُ). قال أَبو منصور: "اللُّغَة العَالِيَة "مَكُثَ" وهو نادرٌ، و"مَكَثَ" جائِزَةٌ وهو القياسُ.
ولغة الضم هي الأصل؛ وهي قراءة الجمهور، وجعلها أبو منصور اللغة العالية، ولغة الفتح جاءت من باب التماثل الصوتي طلبا لخفة النطق؛ لأن الكاف وقعت بين صوتين مفتوحين فالتأثير فيها تقدمي ورجعي في نفس الوقت. فَثِقَلُ النطق في "مَكُثَ" هو الذي جعلها نادرة الاستخدام على الرغم من أصالتها، وخفة النطق في "مَكَثَ" هو الذي أدى إلى فشوها وإن لم تكن هي الأصل.
ويعطي ابن زنجلة تبريرا آخر لشيوع لغة الفتح فيقول:" والاختيار مَكَثَ بالفتح لأن (فَعُلَ) بالضم أكثر ما يأتي الاسم منه على (فَعِيل) نحو: ظرف وكرم فهو ظريف وكريم، ومن (فَعَلَ) بالفتح يأتي الاسم على (فَاعِل) تقول: مَكَثَ فهو مَاكِثٌ، قال الله - عز وجل -:"مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدَاً" (?) ولا يكون من (فَعُلَ) بالضم (فَاعِل) إلا حرف واحد قالوا فَرُهَ فهو فَارِهٌ " (?).
ولكن هذه الحجة وَهَّنَهَا السَّمِينُ فقال:" واعْتُذِر عنه بأنَّ (فاعِلاً) قد جاء لفَعُل بالضمِّ نحو: حَمُض فهو حامِض، وخَثُرَ فهو خاثِرٌ، وفَرُهَ فهو فارِهٌ " (?).