ولكن ابن جني يسوغ قراءة ابن محيصن ويُوَجِّهُها قائلا: "هذه صورة الفعل البَتَّةَ، بمنزلة اسْتَخْرَجَ، وكأنه سُمِّيَ بالفعل وفيه ضمير الفاعل، فَحُكِيَ كأنه جُمْلَةٌ، وهذا بابٌ طريقُهُ في الأَعْلامِ، كَتَأَبَّطَ شَرَّاً، وذَرَّى حَبَّاً، وشَابَ قَرْنَاهَا.
وليس الإِسْتَبْرَقُ عَلَمَاً يُسَمَّى بِالْجُمْلَةِ، وإنما هو كقولك: بِزْبَوْن. وعلى أنه إنما اسْتَبْرَقَ: إذا بَلَغَ فَدَعَا البصرَ إلى البَرَقِ ... ولستُ أَدْفَعُ أَنْ تكون قراءةُ ابن محيصن بهذا؛ لأنَّهُ تَوَهَّمَ فِعْلَاً، إِذْ كانَ عَلَى وَزْنِهِ، فَتَرَكَهُ مَفْتُوحَاً على حَالِهِ" (?).
ويتفق الزبيدي مع غيره في أن الإستبرق غير عربي فهذا السيوطي يقول: "الإستبرق: الديباج الغليظ، وهو بلغة العجم (استبره). وقال الجواليقي: الإستبرق: غليظ الديباج، فارسي مُعَرَّب، وممن صرح بأنه بالفارسية أبو عبيد، وأبو حاتم، وآخرون " (?).
• جِبْرَائِيلَ ومِيكَائِيلَ (?): كلمتان سريانيتان معناهما: عبد الله وعبد الرحمن، حيث إن: جبر، وميك تعنيان: عبد، وئيل تعني: الله. وقد ورد الاسمان في أكثر من موضع في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (?).
وقد تعددت فيهما القراءات حسب لغات العرب فيهما، قال الطبري: "وأما "جبريل" فإن للعرب فيه لغات. فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون "جِبْرِيل، ومِيكَال" بغير همز، بكسر الجيم والراء من "جِبْرِيل" وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة. أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون: "جَبْرَئِيل ومِيكَائِيل" على مثال "جَبْرَعِيل ومِيكَاعِيل"، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة، وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة. وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن: "جَبْرِيل" بفتح الجيم. وترك الهمز. وهي قراءة غير جائزةٍ القراءةُ بها؛ لأن "فَعْلِيل" في كلام العرب غير موجود.