ولسنا نعرف درسا لغويا آصل ولا أعمق من درس يصل بين العربية والقرآن" (?)
ومجرد نظرة على الفهرس التفصيلي لكتاب البرهان للزركشي أو الإتقان للسيوطي، ترى عشرات المباحث اللغوية في سائر مستويات دراسة اللغة: صوتية، وصرفية، ونحوية، ودلالية، كان منطلقها هو القرآن الكريم وقراءاته. فعلى المستوى الصوتي تجد أن القرآن الكريم هو النص العربي الوحيد الذي نُقِلَ من جيل إلى جيل عن طريق التلقي القائم على السماع والعرض نقلا متواترا أجمعت الأمة على صحته، وقد بذل علماء القراءة في سبيل نقل القرآن كما سُمِعَ من النبي - صلى الله عليه وسلم - جهودا جبارة أثمرت علما واسعا، هو علم القراءات القرآنية، والتجويد يعد من أشهر أبوابه، ومباحثه تتعلق بكيفية الأداء الصوتي لبعض المواضع في القرآن الكريم، أداء منضبطا بقوانين صارمة، صاغها القراء ضمانا للأداء المتقن للقرآن، وهو يعبر الزمن والمحن لا يتأثر بعربية فَسَدَتْ، ولا بأَعْجَمِيَّةٍ حَكَمَتْ. فَأَيُّ نَصٍّ عربي له ما للقرآن الكريم من وسائل حفظ مُوكَلَةٍ لِرَبِّ الأَرْبَاب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (?). ولما كان الأمر كما وَصَفْتُ رأى العلماء - على امتداد التاريخ - القرآن الأنموذج اللغوي الفَذَّ، الذي يستحق أن يكون مُنْطَلَقَاً لأي دراسة لُغَوِيَّةٍ، يُرَادُ لها القبولُ والخلودُ، فَتَزَيَّنَتْ كُتُبُ اللُّغَةِ بِآيِهِ وشَوَاهِدِهِ حتى أنه يَعِزُّ على مُطَالِعِ كُتُبِ العَرَبِيَّةِ أن يجدَ كتاباً تَخْلُو صفحاته من شواهده وفوائده؛ لما امتلكه من ثقة جعلته قَيُّومَاً على اللغةِ وشاهداً ودليلاً. ومما يوضح مدى التأثير المتبادل بين العربية والقراءات، ما ذكر في تراجم اللغويين والقراء والفقهاء. لقد كان علماء العربية الأوائل يجمعون إلى علم العربية، علما أو أكثر من علوم القرآن من قراءة، أو تفسير، أو غير ذلك، فقد " أخذ عبد الله بن أبي إسحاق عن يحيى بن يعمر القراءة وأخذها عن نصر بن عاصم" (?). وكان أبو عمرو بن العلاء إماما في العربية والقراءة حتى " قال شعبة لعلي بن نصر الجهضمي: خذ قراءة